تطوّر العالم وتقدمت التكنولوجيا لتساعدنا في تسهيل الحياة اليومية وأداء الوظائف التي يصعب على الشخص الواحد أن يقوم بها وحيداً. في نفس الوقت سهلت توحيد جهود البشر وتخزين معرفتهم وتراكمها على مدى التاريخ على منصة واحدة تتمثل بالانترنت، لكن هناك دائماً وبطبع البشر من سيسعى ليستغل هذه الموارد لمصلحته الشخصية والتي قد تكون أحياناً بدافع الشر. شاهدنا بعض الرؤى الخاصة بمستقبل الجريمة في فيلم Minority Report أيضاً وكان من الواضح لنا مدى تعقيد دخول التكنولوجيا في عالم الجريمة. الآن، ومن منطق أكثر واقعية ربما، يناقش الكاتب مارك غودمان Marc Goodman في كتاب نشره حديثاً باسم “جرائم المستقبل Future Crimes” هذه الأفكار والكيفيات التي قد تستغل فيها التكنولوجيا بكل ما وصلت إليه من تطورات في الجريمة وأفعال الشر. المزيد عن الكتاب و محتواه في مقال لـ جيسون دوريير Jason Dorrier على singularityhub
يمتلئ الكتاب بالتفاصيل التقنية الحديثة لكنه يعطينا فهماً أفضل للتحديات التي تواجه من يخوض منا في هذه التخيلات عن المستقبل الذي ينتظر الفضاء الافتراضي. يوضح لنا الكاتب إمكانية وسهولة اختراق أي شيء يملك اتصالاً أو يمكن الاتصال بآلية عمله الداخلية للتحكم بإحدى الوظائف وهذا ما يستدعي انتباهنا حالياً ويحتم علينا ضرورة التصرف واتخاذ التدابير لمواجهته كأن نطالب شركات البرمجيات ببناء برمجيات أقوى وأكثر مقاومة للاختراق وزيادة حيز الأمان الذي يحيط بحساباتنا على شبكة الانترنت، وتطوير تقنيات جديدة لرفع مستوى الأمان.
وصف الكثير من خبراء مجال التقنية وكبار العاملين فيها كتاب مارك غودمان بأنه نداء صحوة في عالم التكنولوجياـ فالقراصنة في الفضاء الرقمي يتحركون بخطى أسرع من خطى بناة البرمجيات أنفسهم لذلك وحتى لو كنا من المتفائلين بمستقبل التكنولوجيا فيجب أن نبقي على أعيننا متفتحة تجاه هذه التحديات وغيرها.
مع ظهور انترنت الأشياء والذكاء الصناعي والمستقبل الواعد لكل منهما يطرح الكتاب احتمال اختراق هذه التقنيات واستخدامها كوسائل مساعدة في ارتكاب الجرائم. لم يكن الكتاب المنفذ الوحيد الذي استخدمه غودمان للحديث عن الأمن الافتراضي وتحدياته إذ تحدث في عدد من المقالات عن الموضوع ومن أهمها المقال بعنوان “نحن بحاجة لمشروع مانهاتن للأمن الافتراضي We Need A Manhattan Project for Cyber Security”
في الاقتباس التالي من المقال نجد تشكيك غودمان بوسائل وطبقات الأمان الموجودة حالياً على شبكة الانترنت. يقول الاقتباس:
” فيما تتنامى السرقات على الانترنت وعمليات السطو الافتراضي حيث تتم سرقة ملايين بطاقات الائتمان وتقع ملايين أخرى عرضة لذلك، قد توفر عملة مشفرة مثل بيتكوين BitCoin طريقة أفضل لعمليات التحويل المالي على الانترنت أليس كذلك؟ أم أنها ليست أفضل من الأساليب الحالية المتعلقة بالأمان؟”
تقع البطاقات الائتمانية الآن تحت حماية قوانين فدرالية في الولايات المتحدة، لذا وإن تكبد أحد مستخدميها خسارة ما، فلن يتحمل أية مسؤولية. أكبر سرقة لعملات البيتكوين حتى الآن حصلت في طوكيو وقدرت خسائرها بحوالي 460 مليون دولار أمريكي. لذا قد تكون العملات المشفرة مثل بيتكوين ذات فائدة من ناحية الخصوصية، وهي ذات مستوى أمان أعلى. لكنها كانت في المثال السابق عرضة للقرصنة ولم يكن هناك في تلك الحالة أي قانون يحمي أصحاب الخسائر ويعيد لهم ما خسروه من مال.
في اقتباس آخر يسأل غودمان في مقاله عن الأخطار التي ستظهر من تطور وسائل استخدام الانترنت التي بدأت تزداد بشكل كبير الآن.
“تستعد الأجهزة القابلة للاختراق للتأثير على العالم الواقعي خارج الحواسيب الشخصية مع ظهور انترنت الأشياء، الروبوتات، الطائرات دون طيار drones، والسيارات ذاتية القيادة. هل يمكننا أن نتخيل لمحة عن العالم المتصل ببعضه في المستقبل إن حدث خطب ما؟. ماهي الأخطار التي ستظهر؟”
لا زال حجم الانترنت الآن صغيراً جداً ويمكننا أن نمثله بكرة صغيرة، لكن في المستقبل سيكون الانترنت بحجم الشمس وربما أكبر. ولن نحتاج هذا القدر الضخم من الاتصال لربط الحواسيب والهواتف الذكية فحسب. بل سيتم تسخير الانترنت لتشغيل العدد المتزايد من الأجهزة التي تندرج فيتصنيف انترنت الأشياء. سيؤدي هذا إلى زيادة هامش الخطر الذي يتهددنا بزيادة عدد الأجهزة القابلة للاختراق حولنا، لذا سنحتاج طرقاً جديدة لدرء الخطر الذي قد يطالنا منها.
لم يفكر أحد منذ عشرين عاماً باحتمال اختراق نظام سيارتهم. أما اليوم تستخدم السيارات أكثر من 250 رقاقة إلكترونية يمكن اختراقها عن بعد. فيمكن لأي أحد مثلاً أن يفتح الكيس الهوائي في وجهك أو أن يستخدم الفرامل أثناء قيادتك للسيارة.
سيمتلك انترنت الأشياء بنية تحتية قوية – إذا سيدخل المنازل وأماكن العمل وكل مكان يوجد فيه كائن حي تقريباً وأحد أكثر الأمثلة حماساً لفكرة انترنت الأشياء هي المنزل الذكي – ودون حذر ستكون جميع هذه التطبيقات عرضة للهجمات، التي قد تكون كارثية. سيكون هناك مشاكل تتعلق بالخصوصية أيضاً. يمكن لهاتفك اليوم أن يتعقبك. يعرف هاتفك كل الناس حولك ممن تخرج مهم، ويمكن أن يعرف مهاجمك مدى ارتباطك بهؤلاء الأشخاص من مجرد معرفة مكان تواجدك. يمكن للمقاييس الالكترونية مثلاً المنتشرة حول العالم اليوم والتي تعطي هوية لكل جهاز يرتبط بمقبس ما يمنح المقبس القدرة على معرفة الجهاز الذي تم وصله إليه سواء كان حاسباً أو تلفازاً مثلاً.
تسعى بعض الشركات الناشئة الآن لدراسة تغيرات استخدام الطاقة لمعرفة البكسلات الفعالة على شاشة التلفاز في لحظة معينة، ما سيمكنها من استخدام الهندسة العكسية على الطاقة الكهربائية المستخدمة لتشغيل التلفاز، والبرامج التي يتابعها المستخدم.
أعرب كل من إلون مسك Elon Musk، ستيفين هوكنغ Stephen Hawking، وبيل غيتس Bill Gates عن قلقهم من الذكاء الصناعي. وهو موضوع شائك. قال البعض أن الذكاء الصناعي قد يكون آخر اختراعاتنا إن وقع في الأيدي الخاطئة ولو بأضعف أشكاله وأضيق مفاهيمه.
يمكن للذكاء الصناعي وهو في شكله الحالي والذي يعتبر ضعيفاً أن يكون خطراً وتهديداً حقيقياً لحياتنا. نستخدم الذكاء الصنعي كل يوم، سواء في أجهزة تحديد الموقع، أو في اقتراح العروض التلفازية والأفلام، وحتى مانراه على شريط الأحداث على حساب فيس بوك يتم التحكم بكل هذا باستخدام الذكاء الصنعي. ويجب أن نبدأ بالتفكير في احتمالات استخدام هذه التقنية بالذات لأغراض مؤذية.
تاريخياَ أثبت البشر أنه ومهما كانت الأداء التي يبتكرونها فإنهم حاولوا استخدامها لأغراضهم الشخصية. لا يعني هذا بالطبع أن الأداء نفسها سيئة. لم تكن النار سيئة. يمكن أن نطهو بها الطعام ونحافظ على دفئنا في الليالي الباردة. لكن المشكلة تكمن في استخدامها وهذا ما يمكن أن يجعل الذكاء الصناعي اختراعنا الأخير.
رأينا أمثلة كثيرة عن استخدام الذكاء الصنعي المحدود بطرق مذهلة. في إحدى الحالات، اتهم أحد طلاب جامعة فلوريدا في الولايات المتحدة بمحاولة قتل زميله لأنه يواعد صديقته. بكونه لا يزال صغيراً لم يعرف الطالب البالغ من العمر 18 عاماً كيف يتخلص من الجثة لذا سأل سيري Siri المساعد الشخصي على جهازه اي فون وأتت الإجابات من سيري بالكلمات المفتاحية الآتية ” منجم، مستنقع، حقل مفتوح، واقتراحات أخرى. أجابت سيري عن سؤال المجرم هنا.
استخدم هذا الصبي الذكاء الصناعي الضيق المتمثل بسيري كمكمل لجريمته بعد أن ارتكبها. وبدءاً بهذا المثال يمكن أن نتخيل الكثير من الأمثلة مستقبلاً.
قد يستخدم اختراق العقول في الاحتفاظ بذكريات الناس رهينة مقابل فدية مثلاً! وسيكون ذلك جرماً بشعاً. كل هذه نظريات حتى الآن. لا نملك القدرة على فعل هذا الآن. لكنه قد يكون ممكناً يوماً ما.
أشارت إحدى الدراسات مثلاً، تم فيها وصل قارء إشارات الدماغ إلى رأس أحد الأشخاص، وأظهرت لهم إحدى الشاشات لوحة أرقام على صراف آلي وطرح عليهم السؤال التالي:” ماهو رقمك السري؟” وبدرجة دقة وصلت إلى 30 بالمئة، ودون أن ينطق الشخص بكلمة واحدة، تمكن الباحثون من التعرف على الرقم السري للشخص. بقراءة موجات دماغه فقط.
سنرى المزيد من هذا في المستقبل، ويمكن له أن ينطبق على آلاف المشاكل. فلننس تذكر كلمات السر – يمكن لأي كان أن يحصل على هذه المعلومات من صورة دماغية. يعمل الجيش الأمريكي الآن على مساعدة مجنديه على التعامل مع الصدمات. إذ توصلواً إلى بعض المواد الكيميائية المتعلقة بالأعصاب القادرة على عزل الذكرى السيئة ومسحها من الدماغ، أو التخفيف منها، وهذا يحصل الآن.
لذا وإن كنا قادرين على محو الذكريات السيئة والبشعة، ماهي الذكريات الأخرى التي يمكن أن نتمكن من محوها في المستقبل؟ حال معرفة الجريمة المنظمة كيفية القيام بذلك، يمكن لنا أن نرى سيناريوهات مرعبة يتم فيها اختطاف الأشخاص وتهديدهم إن لم يدفعوا المال بمحو كل ذكرياتهم عن زوجاتهم وأولادهم. لا زلنا بعيدين عن لك، لكن إذا طلب منا النظر إلى المستقبل فهذا شيء يجب أن يقلقنا.